26 - 06 - 2024

تباريح | الطرق المسدودة

تباريح | الطرق المسدودة

(أرشيف المشهد)

  • 2-7-2015 | 00:16

بغض النظر عن مرتكب العملية الإرهابية التي أودت بحياة النائب العام ، فإن هناك من سمموا آبار مصر وتلاعبوا بعقول شبابها وباعوا لهم الأوهام وجعلوهم فريسة سهلة للإرهاب .

هناك من مول وشجع ، من ساند وتحالف من أجل هدف وحيد ، هو أن تروي الدماء ثرى هذا البلد الطاهر ، هناك من تصور أن مصر ستكون دولة هشة وتابعة إذا استمر الإخوان في السلطة ، تتنازل عن دورها التاريخي لتسير في ركاب ، بدلا من أن يسار في ركابها.

جهات عديدة استغلت 30 يونيو ، حاولت ايجاد موطيء قدم ، ودفعت طرفي أزمة سياسية احتدمت في البلاد بين جماعة الإخوان وأنصارها ، من جهة ، ومجمل الشعب المصري بجيشه وشرطته وقضائه من جهة أخرى . كان يفترض بالأزمة أن تمر بهدوء لولا التحريض والمساندة السياسية والأموال الضخمة التي انفقت والدعاية التي صرف عليها بالمليارات ، وصورت الواقع المصري على غير ماهو عليه ، فبدت الأمور لطرف تم انتزاعه من السلطة على أنه يحظى بدعم وتأييد سياسي ومشروعية قانونية مدعاة ، وأن ماهي إلا أيام أو أسابيع أو شهور ليعود قادته من سجونهم إلى قصور الحكم ، ومن ذلة الزنازين إلى قصور السلطة .

طرف آخر أصبح يملك القوة ويبطش بها غير عابيء بمكتسبات ثورة 25 يناير ، يعزل المناصرين ويقصيهم ، فالبرادعي وتياره ومناصروه من الشباب يدفعون إلى الهامش ، وحمدين صباحي يستكثر عليه أن يكون منافسا ، فلا يحصد غير 5% في انتخابات غلبت عليها المكارثية السياسية ، وعبد المنعم أبو الفتوح يصبح غير مرحب به ، والسلفيون يتحولون إلى مجرد أداة لسحب البساط من تحت أقدام الإخوان ، تستفرد السلطة بالوطن وتحاول ايجاد نخبة سياسية من صنعها ، فتقرب أزلام إعلام مبارك ، وتضع قيادات شابة كانوا معادين للإخوان في السجون .

ومع اشتداد موجة الإرهاب في سيناء وانتشاره في مدن مصرية كبرى تخفت كل الأصوات المطالبة بالحرية وحقوق الإنسان والعدالة  ، ترتكب التجاوزات في أقسام الشرطة وأقبية الداخلية وسجونها ، وتعود مصر لعصر أذون النيابة "على بياض " ليعتقل عشرات الآلاف ويودعون السجون وأماكن الاحتجاز دون مساءلة ولا مراجعة ، وتحال القضايا إلى دوائر خاصة تم اسنادها لقضاة معروفون بهواهم السياسي وميلهم للعداوة مع من يمثل أمامهم في قفص العدالة ، فتصدر احكام إعدام بالجملة غير مسبوقة في تاريخ القضاء المصري.

كل هذه المقدمات قادت إلى انسداد سياسي ، وجعلت قطاعا من المجتمع يرى أنه لافائدة من التظاهرات السلمية ولا الاحتجاجات المشروعة في نطاق القانون ، ويفاقم الأزمة اعلام غير مسؤول على الجانبين يحول الخصم إلى أبالسة وشياطين ، ومن ثم فإن الدم يصير حلالا ، مثلما صار الاعتقال العشوائي حلالا وفض الاعتصامات بالقوة حلالا والبطش بالمعارضين حلالا.

ليست الكارثة في اغتيال مسؤول كبير ، ولكن الكارثة الحقيقية في المناخ السياسي الذي قاد إلى ذلك ، فحوادث الاغتيالات يمكن أن تتكرر وتعلو وتيرتها ، والإرهاب يمكن أن يتمدد وينتشر مادمنا نوفر له البيئة الملائمة ، ونترك الحل الأمني وحده في مواجهة الطوفان .

مصر مستهدفة ورأسها مطلوب ، ومن ثم فإن الحكمة لاتقتضي حماسا قد يقود إلى جهنم ، نحتاج إلى مراجعة عاقلة لحصاد العامين الماضيين ، حتى نصوب الخطى ونسد الأبواب التي يدخل منها الشيطان.

نحتاج إلى عقلاء يديرون الأزمة ويسحبون البساط من تحت أقدام كل من يريد شرا بمصر ، ولن يحدث ذلك إلا باجراءات تمهد لانفراجة سياسية ، يعاقب فيها المخطيء على خطئه ، وترد الحقوق لأصحابها . حين يسود العدل والقانون ولا تنتزع من الخصوم السياسيين إنسانيتهم ، لن نجد بيتا واحدا في مصر يتعاطف مع الإرهاب ولا يشمت في قتل مسؤول مهما كانت الانتقادات الموجهة إليه .

أما الآن فإننا بإزاء أجواء مسمومة تحتاج إلى كثير من إعادة النظر ، قبل أن يجرف الوطن طوفان الثأر من الإرهاب وممن وراء الإرهاب.

مقالات اخرى للكاتب

تباريح | مصر ليست مجرد أغنية!





اعلان